>

مقال: البحث البلاغي بالمغرب خلال القرن الثامن الهجري- المنزع البديع أنموذجا، ذ. لحسن أفركان

تروم هذه الورقة، تقديم أحد كتب البلاغة العربية المغربية خلال القرن الثامن الهجري، بغرض الوقوف على خصائصه البنائية وموضوعاته ومنهاجيته، للوصول إلى تشييد معمارية الفكر البلاغي العربي بالمغرب. وقد وسمنا هذه الورقة  بـ " البحث البلاغي بالمغرب خلال القرن الثامن الهجري- المنزع البديع أنموذجا-".

البحث البلاغي بالمغرب خلال القرن الثامن الهجري- المنزع البديع أنموذجا

لحسن أفركان*
 

 
   مهاد:
      تروم هذه الورقة، تقديم أحد كتب البلاغة العربية المغربية خلال القرن الثامن الهجري، بغرض الوقوف على خصائصه البنائية وموضوعاته ومنهاجيته، للوصول إلى تشييد معمارية الفكر البلاغي العربي بالمغرب. وقد وسمنا هذه الورقة  بـ " البحث البلاغي بالمغرب خلال القرن الثامن الهجري- المنزع البديع أنموذجا-". وقسمنا محاورها إلى قسمين هما:
1/ البحث البلاغي بالمغرب.
2/ كتاب المنزع البديع. المنهج والمضمون.
أولا: البحث البلاغي بالمغرب:
    نال المغاربة كثيرا من القدح في بحوثهم البلاغية، واعتبرهم الدارسون مكملين للمشارقة تابعين لهم. إنهم المحيط الذي يتبع المركز، وننقل هنا نصوصا تبين أن المغاربة تابعون للمشارقة. يقول ابن خلدون"... وبالجملة فالمشارقة على هذا الفن أقوم من المغاربة، وسببه والله أعلم أنه كمالي في العلوم اللسانية... وإنما اختص بأهل المغرب من أصنافه علم البديع خاصة وجعلوه من جملة علوم الأدب، وفرعوا له ألقابا، وعددوا أبوابا ونوعوا أنواعا. وزعموا أنهم أحصوا من لسان العرب وإنما حملهم على ذلك الولوع بتزيين الألفاظ وأن علم البديع سهل المآخذ وصعبت عليهم مأخذ البلاغة والبيان لدقة أنظارهم وغموض معانيها فتجافوا عنها" . وسار على منوال ابن خلدون في اتهام المغاربة بالقصور في صناعة البلاغة كل من المقري في كتابه "أزهار الرياض في أخبار عياض"، وأحمد بابا التنبكتي، ومن المحدثين بدوي طبانة في قوله: إن المغاربة كانوا عيالا على المشارقة" .
    وإذا كانت هذه حال الدراسات الأولى، فنحن لا نعدم من ينظر بعين الإنصاف إلى التراث البلاغي المغربي، ومنهم محمد مفتاح الذي يرى:" إن البلاغيين المغاربة اطلعوا كلهم على أغلبية الكتب البيانية المشرقية، سواء كانت كتب سلف أم كتب خلف" . ويميز محمد مفتاح في التأليف البلاغي بالمغرب بين حقبتين متميزتين:
            حقبة ما قبل مفتاح العلوم.
            حقبة ما بعد مفتاح العلوم.
وهو ما يصطلح عليه منذ القديم بسلف البلاغيين وخلف البلاغيين. ونستطيع أن نسقط هذا التقسيم على التأليف البلاغي في المغرب،لما أحدثه (المفتاح) من تأثير فاصل بين عهدين"  ويقسم محمد مفتاح اتجاهات العهد الأول إلى ثلاثة  
الاتجاه الأول: مزج فيه أصحابه بين أنهاج البلغاء القدماء من مثل الجاحظ وابن المعتز وقدامة بن جعفر وعبد القاهر الجرجاني والحاتمي والزمخشري وغيرهم. ومن ممثلي هذا الاتجاه: ابن رشيق وابن بسام وابن سبع والقاضي عياض.
الاتجاه الثاني: استثمر فيه أصحابه معارفهم الفلسفية والمنطقية والرياضية.
الاتجاه الثالث: حاول أن يوفق بين الاتجاهين الاتجاه البلاغي العربي الصرف، والاتجاه البلاغي المبني على المعقولات.
   حدد رضوان بنشقرون في بحث بعنوان " نشوء البلاغة وتطورها بالمغرب". الفترة الزمنية المهتمة بالتأليف البلاغي بالمغرب في القرون السابع والثامن والتاسع للهجرة.(13-15م).  غير أننا نقول  رداً على رضوان بنشقرون إنه لا يمكن الجزم بأن هذه الفترة التاريخية هي المحدد الزمني الوحيد للبحث البلاغي بالمغرب، إذ إن أغلب المصادر التي تنتمي لهذه المرحلة ولمراحل تاريخية متقدمة قد ضاعت من جملة ما ضاع من التراث. ولم تحافظ لنا كتب التراجم والبرامج والفهارس إلا بنزر يسير من أسماء الكتب البلاغية.
ونورد هنا بعضا من المؤلفات البلاغية المفقودة في التراث البلاغي بالمغرب  على سبيل الإيجاز والاختصار.
1- عين الذهب من معدن جوهر الأدب في علم مجازات العرب لأبي عبد الله الأنصاري الداني الأندلسي (ت519هـ).
2- أقسام البلاغة وأحكام الصناعة لأبي عبد الله محمد بن أحمد الزهري المالقي.(ت619هـ).
3- كتاب البديع لأحمد بن يوسف التيفاشي القيسي(ت651هـ). وقد أحصى فيه مؤلفه سبعين محسنا بديعيا ومنه استفاد بعض من ألف في هذا العلم بعده كابن أبي الإصبع المصري(ت645هــ).
4- كيفية السباحة في بحري البلاغة والفصاحة لأبي إسحاق ابراهيم بن أحمد الأنصاري الخزرجي الجزري(ت ق7هــ).
أما الكتب المطبوعة فنذكر منها :
1- الروض المريع في صناعة البديع لأحمد بن محمد بن عثمان الأزدي المراكشي (ت 654هــ).
2- المعيار في نقد الأشعار لأبي عبد الله جمال الدين بن أحمد الأندلسي.(ت ق8هــ).
3- التنبيهات على ما في التبيان من التمويهات لأبي المطرف أحمد بن عميرة المخزومي.(ت 685هــ).
نستنج من خلال هذا المحور ما يلي:
اتهام المغاربة بأنهم عيال على المشارقة في البحوث البلاغية، غير أن المسألة تبدو ناقصة إذا نظر إليها بعين التمحيص والإنصاف.
تزخر المكتبة المغربية بكثير من المؤلفات البلاغية والتي تتراوح بين المفقود والمخطوط والمطبوع.
ثانيا: كتاب المنزع البديع. المنهج والمضمون
1 عن صاحب الكتاب
لم تُعن كتب التراجم والنقد والبلاغة والفلسفة المعروفة بالترجمة الاهتمام بنقاد وأدباء القرن الثامن للهجرة بالغرب الإسلامي، بالترجمة لأبي محمد السجلماسي ونقصد بهذه الكتب: "نيل الابتهاج بتطريز الديباج "لأحمد بابا التنبكتي، و"شجرة النور الزكية في طبقات المالكية" لمحمد بن محمود مخلوف، "ودرة الحجال في أسماء الرجال" لأبي العباس أحمد بن محمد المكناسي المعروف بابن القاضي.
وبالرجوع للباحثين المتقدمين نلفي عبد الله كنون في كتابه" ذكريات مشاهير رجال المغرب" الذي خصه لتراجم مجموعة من كبار علماء المغرب ومن ضمنهم علماء وفقهاء وأدباء القرن الثامن للهجرة فإننا لم نجد أثرا لأي ترجمة أو إشارة له. مما حتم علينا الرجوع إلى مصدره والبحث في ثناياه عن إشارة أو ترجمة من شأنها أن تفصح عن هوية الرجل.
 تتضمن خاتمة الكتاب ما يلي:" قال الإمام أبو محمد مؤلفه رضي الله عنه"  وتتضمن المقدمة الإشارة التالية: "قال شيخنا الأكمل العالم الأوحد الأفضل، القدوة الصدر المتقن الأحفل، أبو محمد القاسم بن محمد بن عبد الله العزيز الأنصاري السجلماسي رحمه الله" .
انطلاقا من هذه المؤشرات نقف على الاسم الكامل للرجل: وهو أبو محمد القاسم بن محمد عبد العزيز السجلماسي. عاش سنة 704هـ. وهي السنة التي أنهى فيها إملاء الكتاب. والسبب في جهلنا بمعلومات كبيرة عن حياته وتلاميذه وشيوخه على حد تعبير علال الغازي هو" سيطرة الدراسات الفقهية على الساحة الفكرية، وإقبال الناس حكاما وجمهورا على الاتجاه العربي الصرف في هذه الدراسات وفي المؤلفات النقدية والبلاغية... وابتعاد الجمهور عن اللون العقلي الذي بدأ يطبع الدرس البلاغي والنقدي بشكل لم تعرفه العصور السابقة"  كما قدم علال الغازي تعريفه للسجلماسي انطلاقا من تصوره المنبثق من استقرائه للكتاب، ويقول:" فيلسوف بلاغي ناقد، لغوي نحوي، عروضي، أديب، مشارك في القضايا ذات الصبغة الفكرية العميقة، واسع الاطلاع على علوم اللغة العربية، متمثلاً تمثلاً عميقاً للثقافة والفلسفة الإسلامية، قوي الدراية والرواية، متكامل التكوين في كل ما يورده من نصوص وآراء، مناقشا ومحللا" ..
2 عن الكتاب : المنهج والمضمون
   سعى السجلماسي إلى تحقيق أهداف كبيرة من تأليفه للكتاب تتمثل في " بيان أسرار بلاغة القرآن وإعجازه وصياغة مخاطبات جميلة ومقنعة، وتقديم قوانين للتأليف والتأويل وما يحقق هذه الأهداف جميعها هو الصناعة النظرية لعلم البيان وصنعة البديع" . يقول في مقدمة الكتاب:" فقصدنا في هذا الكتاب الملقب بكتاب: "المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع" إحصاء قوانين أساليب النظوم التي تشمل عليها الصناعة الموضوعة لعلم البيان وأساليب البديع وتجنيسها في التصنيف، وترتيب أجزاء الصناعة في التأليف الكلية، وتجريدها من المواد الجزئية بقدر الطاقة وجهد الاستطاعة، والله تعالى ولي التسديد، والكفيل بالتأييد" .
أما بخصوص موضوعات الكتاب فقد حددها السجلماسي في مقدمة منزعه إذ يقول:" إن هذه الصناعة الملقبة بعلم البيان، وصنعة البلاغة والبديع: مشتملة على عشرة أجناس عالية وهي: الإيجاز، والتخييل، والإشارة، والمبالغة، والرصف، والمظاهرة، والتوضيح، والاتساع، والانثناء،والتكرير" . ويتفرع عن هذه الأجناس العالية عدة مصطلحات ومفاهيم نقدية وبلاغية مضبوطة.
 تميز منهج الكتاب بنسقية علمية دقيقة، حيث ينتقل صاحبه من تحديد المعنى العامي أو الجمهوري للمصطلح إلى بيان المعنى العلمي له.
المعنى الجمهوري: وهو عمل يستهل به دراسته لأي جنس من أجناسه البلاغية والنقدية العشرة، فيقف عند كل واحد منها، ملقيا عليه نظرة لغوية سريعة، وقد لا يشرحه لغويا بل يمر مباشرة إلى ما سماه  الفاعل، الطي يبسط فيه السجلماسي القانون الكلي، وهو" الحد المحرر بحسب الأمر الصناعي" .
لقد ارتكز السجلماسي على مجموعة من المصادر الفلسفية اليونانية والعربية في تحديده ماهية المصطلحات، وتتبع خصائص العبارة في تناولها للمعاني، ويؤكد ذلك الدكتور أمجد الطرابلسي رحمه الله(2001م) إذ يقول:" عرف القرن السابع ومطلع الذي يليه مدرسة بلاغية مغربية تستحق أن يوليها المهتمون بالدراسات النقدية والبلاغية المقارنة عنايتهم، ويخصونها بتتبعاتهم وهي مدرسة يبدو واضحا، من خلال الآثار التي تركها لنا أعلامها، أنهم كانوا جميعا مع تمكنهم حق التمكن من اللغة العربية وآدابها بعامة، ومن الدراسات النقدية والبلاغية العربية خاصة، مطلعين أحسن اطلاعا على منطق أرسطو، وأعمق فهما لمضمون كتابيه(الشعر) و(الخطابة) ومن النقاد البلاغيين الذين عرفتهم القرون السابقة في مشرق الوطن ومغربه" .
على سبيل الختم:
   نخلص بخصوص هذا العرض حول البحث البلاغي بالمغرب خلال القرن الثامن الهجري من خلال كتاب "المنزع البديع.." للسجلماسي.  إلى أن التأليف البلاغي بالمغرب الإسلامي عرف تقدما خاصا وحاول أن يؤسس لنفسه لمدرسة خاصا. "فابن عميرة والقرطاجني والسجلماسي وابن البناء يمثلون اتجاها جديدا في التأليف البلاغي ويقدمون اتجاها خاصا في التناول، وهم يجمعون بين المأثور البلاغي العربي والتراث اليوناني الأرسطي، وقد هيمن النسق الرياضي عند ابن البناء وخصوصا مفهوم التناسب، وهيمن توظيف المقولات في كتاب المنزع البديع للسجلماسي. وسيطر التحديد والقياس في التنبيهات لابن عميرة" .
 
هوامش
1. ابن خلدون: المقدمة، تح علي عبد الواحد وافي، الجزء الرابع.ص.ص:1256-1266 
2. بدوي طبانة:البيان العربي،ص:138
3. محمد مفتاح:التلقي والتأويل، المركز الثقافي العربي، ص:18
4. نفسه،ص:16
5. نفسه،ص.ص:16-17
6. رضوان بنشقرون: نشوء البلاغة وتطورها بالمغرب،ضمن مجلة كلية الآداب،فاس.عدد6.سنة 82/1983،ص:163  
7. ينظر عبد الوهاب الأزدي: البحث البلاغي بالمغرب، المطبعة والوراقة الوطنية . مراكش.2008،ص.ص:41 وما بعدها
8. المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع. تحقيق علال الغازي، مكتبة المعارف الرباط، 1980ص:525
9. نفسه،ص:179
10. المنزع البديع:مقدمة المحقق: علال الغازي،ص:48
11. نفسه،ص:51
12. محمد مفتاح: التلقي والتأويل، مذكور،ص:61
13. لمنزع البديع، مذكور،ص:180
14. نفسه،ص:180
15. نفسه:288
16. تقديم امجد الطرابلسي للمنزع البديع،ص:12
17. محمد مفتاح:التلقي والتأويل،مذكور،ص:18
 
المصادر والمراجع
السجلماسي:المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع.تقديم وتحقيق،علال الغازي،مكتبة المعارف،الرباط،ط.1980.1
ابن خلدون:المقدمة. دار الكتاب اللبناني بيروت لبنان 1960
عبد الوهاب الأزدي:البحث البلاغي بالمغرب،المطبعة والوراقة الوطنية.مراكش،2008
محمد مفتاح:التلقي والتأويل( مقاربة نسقية)، المركز الثقافي العربي. 1994.
علال الغازي: مناهج النقد الأدبي بالمغرب خلال القرن الثامن الهجري.سلسلة رسائل وأطروحات كلية الآداب والعلوم الإنسانية. جامعة محمد الخامس.الرباط.
 
* باحث من المغرب
 

0 التعليقات:

جميع الحقوق محفوظة مدونة السعيد وعزوز           تعريب مدونة البلوقر